مقدّمة: “أحد الأشياء التي أحاول إظهارها بالكتب هي الجانب السياسي” جورج آر آر مارتن.
السياسة بعالم جورج محرّك أساسي للأحداث والحروب، ويختلف القادة بفكرهم السياسي، فالبعض ينهي الحروب بريشة وحبر ومرن دبلوماسيًا، والبعض يرى التدخلات العسكرية حل أولي للمشاكل. بجانب العوامل العسكرية، فالسياسة مرتبطة ارتباط وثيق بالدين، فعند توحيد إيجون للممالك اعتنق ديانة السبع ليلمّ شملهم ويتطبّع بطباعهم، ولا يزرع فيهم سبب لرفضه. ليس فقط السبعة المهمين في ويستروس، يقول جون عن الآلهة القديمة في الشمال "الآلهة القديمة قويَّة في تلك الجبال، ولن يسمح رجال العشائر بإهانة أشجارهم" (رقصة مع التنانين. فصل جون الرابع) ويقول آرون ذو الشعر الرطب "ليس لكافرٍ أن يجلس على كُرسي حجر اليَم" (وليمة للغربان. فصل النبي) لذلك لاشك أن الدين مرتبط بالسياسة وتوحيد الأتباع. بين كل هذه التداخلات السياسية، نتحدث عن الملك ستانيس في هذا الجانب، الذي قد يكون من أكثر الشخصيات الجدلية من الناحية السياسية، نرى أفكار الملك بعد وقبل ديانته، ونرى فكره كوزير قبل أن يكون ملكًا، وكأخ قبل أن يكون وزيرًا.
ستانيس التابع: نظرة ستانيس الجدية تجاه العدل، أثرت على دبلوماسيته ونظرته تجاه تقوية مصالحه السياسية، وأنا هنا لا أحكم بالصح أو الغلط، لكن أعرض تأثير مبادئ ستانيس على مسايسته لمن يتبعه، أو أعداءه، أو حتى المحايدين. يعود أول قرار سياسي – نصيحة- له إلى الثورة، بعدما انتصر روبرت في ثلاث معارك في أراضي العاصفة، أسر اللوردين جرانديسون وكافرن وقال ستانيس عن الحدث "أخي كان موهوبًا في إلهام النَّاس الإخلاص، حتى الأعداء منهم. في (قلعة الصَّيف) انتصرَ في ثلاث معارك في يومٍ واحد، وعادَ باللوردين جرانديسون وكافرن إلى (ستورمز إند) بَعد أن أسرَهما، وعلَّق رايتيهما في قاعته كتذكار. ظباء كافرن البيضاء كانت ملطَّخةً بالدَّم، وأسد جرانديسون النَّائم كان ممزَّقًا إلى نِصفين تقريبًا، لكنهما اعتادا الجلوس تحت هاتين الرَّايتين ليلًا ليشربا ويأكلا مع روبرت، بل اصطحبَهما إلى الصَّيد كذلك. في مرَّةٍ قلتُ له بَعد أن رأيتهم يُلقون الفؤوس في السَّاحة: هذان الرَّجلان أرادا تسليمك إلى إيرس ليُحرِقك، ولا يَجدُر بك أن تضع في أيديهم فؤوسًا، لكن روبرت اكتفى بالضَّحك. كنتُ لألقي جرانديسون وكافرن في زنزانة، لكنه حوَّلهما إلى صديقين" (عاصفة السيوف. فصل داڤوس الرابع) هنا يتبين لك عدم الرحمة والمسامحة عنده، رغم أن هؤلاء اللوردات أقسموا لروبرت واتبعوه، لكن ستانيس يرى أن من العدالة معاقبتهم، ويستمر المشهد السابق بجزء آخر بعد زمن طويل، في وقت حرب الملوك الخمسة عندما قُتل رنلي وانضم لستانيس جيش أراضي العاصفة، سامحهم وعفى عنهم، بل وعرض على كورتني پنروز (أمين قلعة ستورمزإند) الشيء نفسه، وكأنه يكرر ما فعله روبرت - وهذه أحد تأثيرات روبرت تضاف للنقطة القادمة- لكن بنفس الوقت كأنه مجبر على فعلته، ويلوم نفسه على عدم معاقبتهم، ومع أنه سامحهم، إلا أنه لم ولن ينسى خيانتهم " خيرٌ لهؤلاء اللوردات المعفي عنهم أن يتأمَّلوا في هذا. الرِّجال الصَّالحون الأوفياء سيُقاتِلون من أجل چوفري لاعتقادهم الخاطئ أنه الملك الشَّرعي، بل وقد يقول أحد أهل الشَّمال الشَّيء نفسه عن روب ستارك، لكن هؤلاء اللوردات الذين ساقوا أنفسهم إلى صَفِّ أخي كانوا يعلمون أنه غاصِب، وأداروا ظهورهم لملكهم الشَّرعي لا لسببٍ أفضل من أحلام السَّطوة والمجد، ولقد وسَمتهم عندي بحقيقتهم. عفوتُ عنهم، نعم، لكنه غُفران لا نسيان" (صدام الملوك. فصل داڤوس الثاني) إذن يتبين أن مبدأ ستانيس هو المسامحة، لكن ليس النسيان، والعقاب إن أمكن، لأن في هذه الحالة لا يمكن معاقبتهم لأنه يحتاجهم، أما في حالة روبرت فكانوا في وضع خاسر ومستسلمين، فروبرت وغيره من السياسيين، يتبعون المصلحة فقط ولا يلتفتون للأمور الأخرى، لكن ستانيس مختلف، كما ذكرت بالبداية أن مبادئه العادلة أثرت على مصالحه السياسية فأصبحت أولوية، إلى حدٍ ما، فتغيرت الأولوية عندما لم يستطع معاقبة لوردات العاصفة بعد انضمامهم له بعد قتل رنلي، لكن إذا استطاع العقاب فحتمًا سيطبق عدله، وما يؤكد هذا ما فعله لداڤوس بعد إنقاذه في الحصار، لأن في تلك الحالة يستطيع ستانيس المعاقبة "كانت عدالة حقًا. خير الصَّنيع لا يمحو سيِّئه، وسيِّئه لا يمحو خيره، ولكلٍّ جزاؤه، وأنت كنت بطلًا ومهرِّبًا في آنٍ واحد" (صدام الملوك. فصل داڤوس الثاني)
بعد الثورة ارتقى منصب ستانيس السياسي، فلم يعد وريث عائلة أو أمين قلعة فقط، بل وزيرًا للسفن وحاكمًا لدراجونستون، ومع أن منصب وزير السفن مهم عسكريًا، كما تبيّن في ثورة آل جرايجوي، إلا أن لديه تدخلات سياسية، سواءً عن طريق حكم البحر والموانئ، كما حدث مع قراصنة جزيرة الأخوات عندما عاقبهم وهدد اللورد جودريك سيد (الأخت العذبة) بشنقه إن تكررت حيلتهم، ولم يُنسَ هذا القرار حتى بعد مدة من الزمن عندما ذهب داڤوس عندهم "والآن يأتي إلى الشَّمال مهزومًا وذيله بين قدميه. لماذا أقدِّمُ له العون؟ أجِبني" – جودريك يتحدث عن الملك (رقصة مع التنانين. فصل داڤوس الأول) أو عن طريق المشاركة بالمجلس كأي عضو آخر، فقد اقترح ذات مرة أن يُحرّم المواخير في العاصمة، الاقتراح الذي لاقى استهزاءً من روبرت، فحتمًا ليس فيه أي فائدة سياسية، وسيكرهك الشعب بسببه، خاصة وأن المواخير من الأمور الاعتيادية في عالم الجليد والنار، ويشكّل جزء مهم من الدخل الاقتصادي. لكن ستانيس أصرّ على القرار وطبقه تحت حكمه الشخصي في دراجونستون، ربما لضبط رجاله؟ "قد يزل لسان حارسٍ ما وهو ثمل في حضن عاهرة" -الملك ستانيس (رياح الشتاء. فصل ثيون) ممكن هذا السبب السياسي خاصة إذا أخذنا الكلام عن تجسس ڤاريس بالاعتبار "لا أحد من الصيَّادين الذين دفعَ لهم للتلصُّص على الجزيرة عادَ ثانيةً، والمُخبِرون الذين يدَّعي ڤارس أنه زرعَهم في بيت ستانيس لائذون بالصَّمت على نحوٍ يُثير التوجُّس" – تيرين (صدام الملوك. فصل تيرين الرابع) لكن ليس تمامًا، لأن ستانيس أقفل الجزيرة وقد يكون هذا سبب عدم أخذ ڤاريس للمعلومات، لكن من الجدير بالذكر هنا وصف جون سنو لمدى ضبط ستانيس لرجاله "واضح أن الملك ستانيس يُسَيطِر على رجاله بيدٍ من حديد. صحيح أنه يسمح لهم بالنَّهب قليلًا، لكنني لم أسمع إلَّا باغتصاب ثلاث نساءٍ فقط، والرِّجال الذين اغتصبوهن خُصوا جميعًا" (عاصفة السيوف. فصل سامويل الرابع) أو يعود السبب لأمور نفسية كما ذكرت في موضوع (كذبة الاستشراف) وربما كلاهما. كذلك من التأثيرات السياسية من ستانيس عندما أصبح دوره السياسي أكبر وأهم، هو قربه من جون آرن ومساعدته في حكم مملكة روبرت، الحكم الذي استمر في سلام لما يقارب ١٥ سنة، وهذا التقارب هو ما جعل ستانيس يخبر جون آرن عن حقيقة أبناء روبرت، فكانت هذه شرارة أحداث أغنية الجليد والنار.
تأثير روبرت: "أخي كان يجعل النَّاس يُحِبُّونه، بينما يبدو أني لا أُلهِمهم إلَّا الخيانة، حتى مَن هُم مِن لحمي ودمي، أخي وجدِّي وأبناء خالي وعم زوجتي..." – الملك ستانيس (عاصفة السيوف. فصل دافوس الرابع).
لاشك أن روبرت أثر على ستانيس بعدة جوانب، فلا يزال يعيش ستانيس تحت ظله منذ صغره، ولا يزال شبح روبرت يطارده ويؤثر عليه نفسيًا، وعسكريًا، بل وحتى سياسيًا. "تلقى ستانيس إعطاء دراجونستون كإهانة، لكنها ليست كذلك بالضرورة، فوريث آل تارجيريان كان أميرًا لدراجونستون. وبإعطاء ستانيس دراجونستون كان روبرت يجعله وريثه" - جورج آر آر مارتن. هذا التصريح مهم إذا أردنا الربط بين سياسة روبرت وستانيس، فمع أن روبرت لم يحب أخويه باعترافه بنفسه "لم أحب أخوَيّ قط" - روبرت باراثيون (المسلسل) ويقول جايمي لانستر "روبرت يكاد لا يهضم أخويه الحقيقيين" (لعبة العروش. فصل بران الثاني) إلا أنه أعطاهم مناصب وقلاع، ما السبب؟ أولًا من الطبيعي جدًا أن الحاكم يحيط نفسه بمن يثق بهم، ويؤكد كرسن كلام جورج ويقول "روبرت ظلمَك حقًّا، وإن كانت لديه أسبابه، فدراجونستون ظلَّت زمنًا طويلًا معقلًا لعائلة تارجاريَن، وأخوك احتاجَ رجلًا قويًّا ليَحكُم هنا" (صدام الملوك. المقدمة) لكن بعيدًا عن هذه الغاية، ممكن أحد الأسباب التي جعلت روبرت ينصّب أخويه عنده، هو رؤيته أن هذا واجبه، قد يكون سبب غريب لدى البعض، فمنذ متى روبرت مهتم بالواجب؟ ستانيس يجيب ويقول عنه "إنه لم يُحِبُّني أكثر مما أجبرَه الواجب، وأنا كذلك" (صدام الملوك. فصل داڤوس الأول) ويؤكده جورج ويقول "روبرت كان مؤديًا لواجبه تجاه أخويه، ولاشك أنه أحبهم بطريقةٍ ما" لكن سياسية روبرت مع أخويه توقفت عند هذا الحد، فكم مرة استحق ستانيس التكريم؟ وكم مرة استحق الشكر؟ ولكن لاقاه بالجحود والنكران، لأن هذا قدر محبة روبرت لستانيس، بمعنى آخر أن محبته له لا تتعدى قدر الواجب، ولا تصل إلى مستوى المكافآت على الإخلاص والخدمة.
تعامُل روبرت مع أخويه أثّر بتعاملات ستانيس السياسية، فبما أنه لم يأخذ المكافآت التي استحقها من روبرت، هو من أكثر الملوك الذين يكافئون لقاء الخدمة، وكأنه يشعر بما يشعرون به، وخير مثال ما فعله مع داڤوس، فرقّاه لفارس بعد الإنقاذ ومن ثم لوردًا ويد الملك وأميرال البحر فقط لأجل نصيحة واحدة لامست مشاعر ستانيس ومبادئه العادلة تجاه الشعب! والمكافآت لا تتوقف هنا، يقول ستانيس لجون "المتوقَّع من الملوك أن يكونوا أسخياء مع أتباعهم. ألم يُعلِّم اللورد إدارد نغله شيئًا؟ كثيرون من فُرساني ولورداتي تخلُّوا عن أراضٍ خصبة وقلاعٍ منيعة في الجنوب. أيجب ألَّا يُكافأوا على إخلاصهم؟" (رقصة مع التنانين. فصل جون الأول) الملك طلب قلاع حرس الليل (المهجورة) ليمنحها لفرسانه ولورداته كمكافأة على إخلاصهم. هنا قد يرى البعض طلب ستانيس غبي وغير منطقي، والبعض يراه واقعي، لكن بغض النظر عن صحته من عدمها، وبغض النظر عن أن ستانيس يريد تأمين الجدار، هذا القرار يعود لجانب ستانيس المتأثر من روبرت والذي نتج عنه سخاء ستانيس مع رعاياه، ومن جانب آخر رؤيته العادلة أن من يخدم يستحق المكافأة، مثل أن من يخون يستحق العقوبة، ويستمر هذا المبدأ مع نيته إعطاء وينترفيل لآرنولف كارستارك لقاء "إخلاصه" للملك، ورفَض أن يعطيها لجاستن أو ريتشارد، لأنهما ليسا شماليين أصلًا "هورپ وماسي سيُخيِّبان الآمال لا محالة. إنني ميَّال أكثر إلى وهْب (وينترفل) لآرنولف كارستارك. إنه شمالي صالح. إن في عروقه دماء ستارك، دماء (وينترفل)" - الملك ستانيس (رقصة مع التنانين. فصل جون الرابع) وهذا ما فعله كذلك في ربوة الغابة عندما استعادها لآل جلوڤر ولم يعطيها أتباعه، الفارق هنا أن قلاع حرس الليل مهجورة، ليست كوينترفيل أو ربوة الغابة التي يريد استعادتها لأصحابها. نعود لآرنولف، بعيدًا عن نظرته العادلة التي أثرت على قراراته هنا، نلاحظ استمرار تأثره من روبرت، رغم أن وينترفيل يمكن أن تُعطى لأي عائلة شمالية (إذا حُصرت قراراته فقط باسترداد القلاع للشمال وعدله) كما قال جون عن دماء آرنولف "مِثله مِثل نِصف عائلات الشَّمال الأخرى" فرد الملك الذي يثبت أن قراره لم يكن متأثر بنيته لاسترداد القلاع للشماليين وعدله، بل أيضًا يبيّن مكافآته لمن يتبعه عكس ما فعل روبرت معه "تلك العائلات الأخرى لم تُعلِن تأييدها إياي" يستمر المشهد مع جاستن ماسي قبل إرساله لإيسوس، فعندما أرسله ستانيس لجلب مرتزقة بذهب البنك الحديدي، طلب جاستن أن يتزوج آشا، فقال الملك" اخدمني جيدًا في مسألة المرتزقة هذه، وستحصل على ما ترغب" (رياح الشتاء. فصل ثيون) رغم أن قراره فيه مكافأة لجاستن، إلا أننا نلاحظ هنا وفي أحداث أخرى، أن ستانيس يرفض العطاء قبل الخدمة، ويُفضل العكس، لأنه يرى أن هذا واجب أتباعه، وبعد تأديتهم يُكافأوا، ويعود هذا – كغيره من الأحداث- بسبب ما عاشه تحت ظل روبرت، فخدم روبرت مقابل لا شيء، ويرى أن أتباعه يجب أن يفعلوا هكذا لأنه واجبهم كما كان واجبه تجاه روبرت، وهذا التأثير الثاني من روبرت. التأثير لم يدم طويلًا، فقد بدأ مع بداية تحركه للحرب، عندما طلب لوردات العاصفة، وليس عنده ما يقدمه لهم، لكن هذا شيء طبيعي ولا يؤخذ بالحسبان، لأن طبيعة أي لورد يستدعي حملة رايته من دون الحاجة إلى تقديم لهم تنازلات ومكافآت، وهذا ما يحدث من جميع اللوردات، لكن المشكلة تتوضح عند محاولة ضم ممالك ليست تابعة له كلورد ويريد ضمهم تحته كملك، مثل إصراره أنه لن يتفاوض مع رنلي أبدًا ما دام أنه يسمي نفسه ملكًا – بغض النظر عن تغيير رأيه- ورفضه للتحالف مع روب والشمال، لنفس السبب أنه يرى أن هذا حقه الشرعي وروب مغتصب لذلك لا يجب أن يتنازل عن أي شيء أو يقدم مغريات لينال حقه، أما آل آرن، عندما نصحه كرسن بأن يزوج شيرين لروبرت آرن، هنا اختلف الوضع، فرنلي غاصب، وروب كذلك من وجهة نظر ستانيس وتحالفه سيخسّره نصف مملكته، لذلك هنا فكر ستانيس بالموضوع وقال يستحق المحاولة، لكن مباشرة تغير رأيه من سيليس، بعدما أقنعته أن راهلور هو الحليف المناسب، ومعه سيأتيك آل آرن وبقية العوائل تحت إمرتك، وكرر كرسن نصيحته لاحقًا بعدما اقتنع ستانيس براهلور، لكن واجه الرفض الحازم، وقال أنه لا يتحالف مع أحد، فقالت سيليس " تمامًا كما لا يتحالَف النُّور مع الظَّلام" (صدام الملوك. المقدّمة) وأومأ ستانيس برأسه يوافقها، مع أن بعضًا من مسببات هذه الأفعال، مستمدة من علاقة ستانيس مع روبرت، وكيفية إخلاصه اللا مشروط؛ إلا أنها ليست تمامًا هكذا، فتأثير الدين عليه كبير حول موضوع التحالفات وكسب الأعداء، ونظرته السياسية بشكل عام، ونظرة الناس له. استمر تأثير روبرت – والديانة كذلك- معه حتى في الشمال، عندما نصحه جون بضم العشائرالجبلية له، قال إن العشائر سيقاتلون له إذا سألهم، فرد ستانيس " ولِمَ أتوسَّلُ شيئًا من حقِّي" هنا تتأكد مدى صلابة الفكرة عنده، مستحيل يتنازل عن أي شيء مقابل أن يأخذ حقه الشرعي، لأن هذا مرتبط مع مفهومه حول الواجب والأحقية، ونظرته المخلصة جدًا تجاههما كما فعل مع روبرت، لكنه اقتنع بعدما أقنعه جون ورأى المقابل الذي يحتاجه "لقاء ثلاثة آلاف رجل أظنُّني قادرًا على احتمال القليل من الثَّريد وعزف المزامير" – الملك ستانيس (رقصة مع التنانين. فصل جون الرابع) ومن هنا بدأ التأثير يقل، تمامًا كما قل تأثير الديانة.
الملك ودينه الجديد: "لا, هذا ليس أنت" - كرسن (صدام الملوك. المقدّمة)
منذ اللحظة الأولى باهتمام ستانيس بديانة راهلور، بدت ملامح التأثير عليه، فكما ذكرنا أنه غيّر رأيه بتحالفه مع آل آرن لأنه اعتقد أنه وجد حليف أنسب، ومع هذا الحليف سيُخضع كل الممالك لإرادته كما يعتقد، ولذلك بدت تأثيرات أخرى مع الوقت، أصبح أقسى، ولا يكترث لمشاعر الناس، ووصل لليأس من اتّباع وإقبال أي أحد له عن طريق المودّة والمسايسة " لا مزيد من الشِّحاذة" -الملك ستانيس (صدام الملوك. فصل داڤوس الأول) لكن من جانب آخر، الحليف أثّر بفكره تأثير جيد، مما جعله يهتم ب"الآخرون" فغير معتقداته، وخططه، لأنه لامس مشاعره المتأصلة به، ومثل كثير من القرارات والمؤثرات الأخرى، جميع هذه التفرعات تعود لجذر واحد، العدل والواجب، وهو سبب تغير أولويات ستانيس عند ذهابه للجدار " كنت أحاول الفوز بالعرش لأنقذ المملكة بينما كان واجبي أن أنقذ المملكة لأفوز بالعرش. هنا سأجد العدو الذي ولدت لأواجهه" (عاصفة السيوف. فصل جون الحادي عشر). لأنه مؤمن بالخطر القادم وأنه الأمير الموعود الذي سيصده، رغم أنه كاره للأمر، فكلما ذكرت مليساندرا النبوءة نجد ستانيس يصرّ أسنانه ويتذمر وكأنه مغصوب. هذا الحليف الجديد، شكّل شخصية جديدة، مضطربة، ومتقلبة المشاعر والقرارات، الملك اتخذ شيطان أحمر حليفًا له، قوى إلهية، سحر وشعوذة، وأمور سوداوية وبالغة القسوة. اعتقد أنها وسيلة لغاية، لكن ليس هناك وسيلة بلا ثمن أو تأثير، فكان الثمن باهظًا، وقد فصّلت بالتفصيل الممل في موضوع آخر عن تأثير الديانة في كل مجالات ستانيس وقراراته ومشاعره، لكن من المهم هنا إضافة هذا المحور لأنه مؤثر بسياسة الملك، لذا سأذكر تأثير الديانة على رؤية الناس لستانيس، وليس على ستانيس بذاته، فلن أتطرق للمواضيع التي طُرحت في السابق. نعود للثمن، بعيدًا عن التغيرات التي حدثت بشخصيته، فإن ثمن اعتناق ديانة غريبة وشيطانية من وجهة نظر سكان ويستروس، هو النفور التام، والكره وما بعده، فمهما بلغ كره الناس لك، إذا كنت البراثيون الأخير، وريث روبرت المحبوب، ستجد القبول وإن قلّ، وهو ما حدث فعلًا من لوردات أراضي العاصفة والقليل من لوردات المرعى، كما قال برايس كارون "إن ولائي لستورمز إند، والملك ستانيس سيِّدها الشَّرعي... وملكنا الشَّرعي. إنه آخِر أولاد عائلة باراثيون، ووريث روبرت ورنلي" وقال داڤوس "لا يُمكنك منعهم من الكلام يا مولاي، لكن حين تقتصُّ من قتَلة أخويك الحقيقيِّين، فستعرف البلاد كلها أن تلك الحكايات ما هي إلَّا أكاذيب" (صدام الملوك. فصل داڤوس الثاني) لكن الحليف الأحمر أوقف القبول لحد معين "كان ينبغي لنا أن نرفع الوعل المتوَّج، رمز الملك روبرت. كانت المدينة لتبتهج لرؤيته، بينما لا يُفلِح هذا العلم الغريب إلَّا في انقلاب النَّاس علينا" - داڤوس سيوورث (صدام الملوك. فصل داڤوس الثالث) واستطاع أعداءه استخدامه ضده " أريدُ الآلهة في صَفِّنا. قُل للنَّاس إن ستانيس أقسمَ على إحراق سِپت بيلور الكبير. لقد أحرقَ ستانيس أيكة الآلهة في ستورمز إند كقُربانٍ لإله الضِّياء، فإذا ضحَّى بالآلهة القديمة، فلماذا يَترُك الجديدة؟ُ قل لهم إن أيَّ أحدٍ يُفَكِّر في مسانَدة هذا الغاصِب يخون الآلهة كما يخون ملكه الشَّرعي" - تيرين (صدام الملوك. فصل تيرين الحادي عشر) وأثار الريبة في من هم يحتاجونه ويحتاجهم "لقد سمعنا بساحرتكم الحمراء. تُريدنا أن ننقلب على آلهتنا السَّبعة ونركع لشيطانٍ من نار!" - وايمن ماندرلي (رقصة مع التنانين. فصل داڤوس الثالث) بغض النظر عن نوايا وايمن الحقيقية، كلامه هذا ينطبق على الكل تقريبًا حتى ولو أن ستانيس لا يجبر لوردات ويستروس على اعتناق الديانة كما وضّح داڤوس لوايمن "أكثر تابعي جلالته ما زالوا يَعبُدون (السَّبعة)، وأنا منهم" لكن حتى داڤوس بنفسه لديه شكوكه "تمنَّى ألَّا يَطلُب منه أحدهم أن يُفسِّر ما جرى للسِّپت في (دراجونستون) أو أيكة الآلهة في (ستورمز إند). إذا سألوا فعليَّ أن أجيبهم. لن يُريدني ستانيس أن أكذب" ولذلك نفّر حتى أصدق مساعدينه "لينال قلعة أبيه عليه أن ينقلب على آلهة أبيه" – جون سنو (عاصفة السيوف. فصل جون الحادي عشر) ستانيس كان مكروهًا، نعم، وهذا الكره أغضبه، وأيأسه، فكانت ردة فعله كفيلة بزيادة كرههم، ونفورهم، ولذلك كان تأثير الديانة على ستانيس متذبذب وليس ثابت، لأن قراره من الأساس كان ردة فعل، وليس فعلًا من ذاته، وعلى الوجه الآخر من العملة نجد أن الثمن الذي دفعه كان بمقابل، مقابل انتصاره على رنلي وأخذه الجيش الذي يحتاجه، مقابل قتله للملوك الثلاث – كما يعتقد- وغيرها من الفوائد، لكن هل كان المقابل يستحق الثمن؟ هو موضوع آخر بحد ذاته كما ذكرت، لكن حاولت أذكر تفاصيل جديدة هنا عن علاقة دينه بسياسته
خبرة الملك: "يُقال إن ستانيس يعرف قوَّة كلِّ عائلةٍ في الممالك السَّبع بلا استثناء" - كرسن (صدام الملوك. المقدمة) قد لا يلعب الملك لعبة العروش، ولا يتنازل عن حقوقه لكسبها لاحقًا، ولا يزوّق كلماته ويتملّق، نعم، رجل صريح يقول الحق، ولو كان الحق يضر مصالحه، لكن كل هذه الأساليب السياسية الموصّلة لهدفه، عدم وجودها لا يعني انعدام علمه السياسي تمامًا، فهي عوامل من عدة عوامل أخرى، ومن أكثر العوامل السياسية التي تميز ستانيس عن بقية الملوك هي الخبرة، خبرة ستانيس طويلة، خدمته تحت روبرت، خوضه حربين تحت روبرت، قربه من جون آرن ومساعدته بالحكم، حكم دراجونستون وحكم البحر "لقد جلست في مجلسه طيلة خمسة عشر عامًا، وساعدتُ چون آرن على حُكم المملكة بينما يسكر روبرت ويُعاشِر البغايا" - الملك ستانيس (صدام الملوك. المقدمة) كل هذه الخبرات صقلت ملك يعرف ما له وما عليه، يفتح خارطة ويستروس فتتحدد علامات القوى أمام عينه، نعم هي عوامل تفيده عسكريًا، لكن لها مزايا سياسية كذلك، وخبرته لم تنتج معرفة قوى العوائل فقط، بل ساهمت بحربه في عدة نقاط
أولًا: الطريق الصحيح للثورة: في الحروب بشكل عام، والثورات بشكل خاص، لا توجد ثورة بلا سبب، وهذا السبب لابد إظهاره للعامة لتبرير موقفك السياسي لديهم، فالتبرير يفيدك بكسب من يتفق معك، وفي نفس الوقت عدم إعطاء خصمك كامل الدعم من العامة. ولنا في الثورات السابقة خير مثال: ديمون بلاكفاير قامت دعواه بناءً على عدة نقاط: نغولة دايرون + سيف بلاكفاير. حتى روبرت ونيد عندما ثارا كان السبب واضح: طغيان إيرس + "خطف" ليانا. وعندما انتصر روبرت لم يستلم العرش بلا "سبب" بل ذكروا أن العرش يحق له بسبب دماء آل تارجيريان فيه عن طريق جدته، بغض النظر عن مدى صدق الادّعاء، المهم في الموضوع أن يكون هناك سبب تظهره للعامة لتبرير موقفك السياسي. في كل الأحوال السابقة رأينا أمثلة ممتازة، وأكملها الملك عندما بدأ تحركه لكسب عرشه، بيّن السبب وقال في رسالته "أعلنُ مستشهِدًا بشَرف عائلتي أن ملكنا الرَّاحل، أخي روبرت، لم يَترُك ذُرِّيَّةً شرعيَّةً من صُلبه، ما يجعل الصَّبي چوفري والصَّبي تومن والبنت مارسلا مسوخًا مولودةً من سفاح القُربى بين سرسي لانستر وأخيها چايمي قاتِل الملك. بحقِّ النَّسب والدَّم، أطرحُ اليوم دعوى استحقاقي عرش ممالك وستروس السَّبع الحديدي، وليُعلِن كلُّ المخلصين ولاءهم" (صدام الملوك. فصل داڤوس الأول) نرى في حرب الملوك الخمسة المطالبين بالعرش هما ستانيس ورنلي، وهناك فرق شاسع في عامل الخبرة بينهما فستانيس بدأ دعواه ومطالبته برسالة لكل ويستروس وحتى إيسوس تنص على عدم شرعية أبناء سيرسي وسبب دعواه، وقال "سيعرف العالم كله بدعواي وعار سرسي" لكن رنلي في الجانب الآخر، دعواه ليست قائمة على شيء، وإنما طمع، وخبرته ضعيفة فلم يكترث أن ينشئ له موقف سياسي واضح يبرر مطالبته، فيقول الملك مبينًا ضعف دعوى رنلي وهزالة حكمه وخبرته "ماذا فعلَ رنلي بالضَّبط كي يستحقَّ العرش غير حضور جلسات المجلس لتبادُل الدُّعابات مع الإصبع الصَّغـير، وعندما تُقام المباريات يرتدي دِرعه الفاخرة ويسمح لنفسه بأن يُسقِطه رجال أفضل منه عن حصانه. هذا هو مبلغ أخي رنلي وقَدره، ويحسب أنه يجب أن يكون ملكًا" (صدام الملوك. المقدمة) حتى ادّعاء ستانيس لم يستخدمه رنلي، لأن في كلا الحالتين سيظهر للعامة أنه غاصب، فإذا صدّق ادّعاء ستانيس سيُعتبر رنلي غاصب لتاج ستانيس وإذا كذّبه فيُعتبر غاصب لتاج جوفري، لهذا لم يكترث للرأي العام واعتمد على القوة ومحبة الناس، لكن ستانيس ليس محبوبًا كأخويه، لذلك يحتاج سبب يبرر موقفه للعالم. على الرغم من أن الادّعاء لم تكتمل قوته بسبب ختمها ب"تم في نور الإله" لكن المهم أن السبب توضّح، ولو كان بدلًا لراهلور كتب "تَمَّ على مرأى من الآلهة والبَشر، أو بنعمة الآلهة القديمة والجديدة" كما ذكر داڤوس لربما لقي دعم أكبر، لكن الملك اكتفى بالمحاولة بأراضي العاصفة فقط ومن ثم أعلن اعتناقه لديانته الجديدة مع مراسيمها المنفّرة، ولو أجّل الاعتناق بعد أن يحاول بكافة ويستروس لكان أفضل. لنعود للخبرة، نقطة تبرير الموقف لاشك أنها ناتج خبرة عريضة للملك، فهناك فرق شاسع بينه وبين رنلي كما تبين، وتأثير تبرير موقفه لا يُحتكر لمصالح ستانيس السياسية فقط، بل أثّر على أحداث ويستروس كافة، كما رأينا بمحاكمة سرسي من قبل العصافير.
ثانيًا: دليل التبرير: الملك لم يكتفي بالتبرير، فكل ثائر به القليل من العقل يستطيع تلفيق أي قصة لدعم مصالحه وموقفه السياسي "من الضَّروري أن تكون لستانيس ذريعة يُبَرِّر بها تمرُّده. ماذا كنتِ تتوقَّعين أن يَكتُب؟ چوفري ابن أخي الشَّرعي، لكني أنوي أن آخُذ العرش على الرغم من ذلك؟" - تيرين (صدام الملوك. فصل تيرين الثالث) لكن الملك لم يكتفي بهذا فقط، يعلم أنه غير محبوب، وإذا استلم العرش لابد من دليل يثبت به شرعيته، كما قال له داڤوس "لكنك لا تملك دليلًا عليه، على مسألة سفاح القُربى، تمامًا كما لم تملكه منذ عامٍ كامل" فقال الملك لداڤوس عن الدليل الذي ينوي أخذه لتصديق تبريره وإثبات شرعيته " ثمَّة دليل من نوعٍ ما في ستورمز إند، ابن روبرت غير الشَّرعي الذي جاءَ إلى الحياة بسبب ما فعله أبوه ليلة زفافي، على الفِراش الذي أعدُّوه لي ولعروسي. كانت ديلينا من عائلة فلورنت، وعذراء عندما أخذَها روبرت، فاعترفَ بالطِّفل. اسمه إدريك ستورم، ويُقال إنه صورة طِبق الأصل من أخي. إذا رآه النَّاس ثم تطلَّعوا إلى چوفري وتومن ثانيةً، فأعتقدُ أن التَّساؤلات لا بُدَّ ستُخالِجهم" (صدام الملوك. فصل داڤوس الأول) وهذا سبب إلحاح ستانيس على أخذ إدريك من ستورمزاند، فلم تكن القلعة بذاتها هدفًا -وإن كانت مهمة- بل الأهم منها هو إدريك، فكان بإمكان ستانيس أن يأخذ القلعة من دون إدريك كما عرض عليه كورتني "وماذا عن إدريك ستورم؟" رد الملك "يجب تسليم نغل أخي لي" فاستمر الرفض "إذن فما زالت إجابتي لا يا سيِّدي" (صدام الملوك. فصل داڤوس الثاني) رفْض ستانيس، وإلحاحه، يوضح أن الملك يرى أن إدريك أداة مهمة لتثبيت حكمه، وتصديق شرعيته، وتبرير موقفه، والاستدلال على تبريره. كل هذه الرؤى بعيدة المدى توضّح أن الملك يمشي بخطى ثابتة وخبرة عتيقة، يعرف وجهته ومتطلباتها، فواثق الخطوة يمشي ملكًا!
ثالثًا: نعود لما قاله كرسن في البداية، الذي يبين أن ستانيس على علم بقوى عوائل ويستروس، وترجم ستانيس المعرفة لمصالحه السياسية والعسكرية، بعيدًا عن الوضوح العسكري التي أفادته المعرفة، لها مزايا سياسية أيضًا، بدايةً بمعرفته بمعدن اللورد ميدوز الذي سيخلف كورتناي في استلام ستورمزإند إذا مات "نائب السير كورتناي ابن عمومةٍ لعائلة فوسواي. اسمه اللورد ميدوز، صبيٌّ أخضر في العشرين من العُمر. إذا أصابَ سوء ما پنروز، ستنتقل قيادة ستورمز إند لهذا الفتى، وأبناء عمومته يُؤَكِّدون أنه سيقبل شروطي ويُسَلِّم القلعة" - الملك ستانيس (صدام الملوك. فصل داڤوس الثاني) ولذلك قرر قتل كورتني بالسحر ليأخذ القلعة بشروط دبلوماسية وليس بقوة عسكرية. تستمر المعرفة مع ما حدث مع وايمان ماندرلي، ستانيس يعلم أن وايمن ورقة رابحة إذا كسبها فسيكسب جزء كبير من الشمال، بغض النظر عن الأسباب الاستراتيجية، معرفته بأهمية وايمان، بالإضافة لردود وايمن المبهمة، جعلت الملك يرسل مبعوث له، المبعوث المناسب في المكان المناسب ليكسبه لصفه " تكلَّمت الرِّسالة التي بعثَ بها اللورد وايمان ماندرلي من (الميناء الأبيض) عن سِنِّه ومرضه، لكنها لم تَذكُر غير هذا إلَّا القليل، وقد أمرَ ستانيس چون بعدم الكلام عنها أيضًا" (رقصة مع التنانين. فصل جون الأول) ولو انتصر ستانيس بالشمال بسبب ريكون، فسيكون انتصاره مبني على عسكريته الفذة وخبرته السياسية، وهو ما أراده مع جون "أنت تستطيع أن تأتني بالشَّمال. سيتآزَر حمَلة راية أبيك حول ابن إدارد ستارك، حتى اللورد الأسمن من أن يركب حصانًا. (الميناء الأبيض) قادرة على تزويدي بمصدر مؤنٍ ثابت وتأمين قاعدةٍ أستطيعُ الانسحاب إليها عند الحاجة" (رقصة مع التنانين. فصل جون الرابع)
تأثير نظرته العسكرية: "ستانيس رجل عسكري بحت، ومهتمٌّ بواجبه" - جورج آر آر مارتن. ستانيس يعيش حياته كجندي يخدم إلى أن يموت، وينهي أموره الاعتيادية كأنها ساحة معركة، فيقول رنلي مازحًا "أتساءلُ كثيرًا كيف أنجبَ ستانيس ابنته القبيحة تلك. إنه يتعامَل مع فِراش الزَّوجيَّة كأنه ميدان معركة، يَدخُله بنظرةٍ عابسةٍ في عينيه وتصميمٍ على القيام بواجبه" (لعبة العروش. فصل نيد السادس) ويصف داڤوس الملك عندما مشى لالتقاط سيفه من النيران "تقدَّم ستانيس باراثيون بخطواتٍ واسعة كجنديٍّ يسير إلى المعركة" (صدام الملوك. فصل داڤوس الأول) نظرة ستانيس العسكرية جعلت منه سياسي يستخدم السلاح العسكري في كثير من الأحيان بدلًا من الدبلوماسية، بدايةً برفضه للتحالف أو التفاوض مع روب ورنلي "أنا لا أتحالَفُ مع أحد. آل ستارك يسعون إلى سرقة نِصف مملكتي، كما سرقَ آل لانستر عرشي، وسرقَ أخي المحبوب ما هو لي شرعًا من رجالٍ وخدمٍ ومعاقل. كلهم غاصبون، وكلهم أعدائي" - الملك ستانيس (صدام الملوك. المقدّمة) بعيدًا عن الأسباب والمؤثرات الأخرى التي ذكرتها في نقاط أخرى، نظرته العسكرية جعلت منه لا يؤمن بالحلفاء "الملوك ليس لديهم أصدقاء، بل رعايا وأعداء فقط" - الملك ستانيس (فصل كاتلين الثالث). في الشمال اختلف الوضع قليلًا، فتطوُّرْ شخصيته المتأثر من عدة عوامل -ذكرتها هنا أو في مقال الدين- جعلت بعض قناعاته تختلف قليلًا، وإذا كان الحديد ينكسر قبل أن ينحني، فالحديد يُطرق كذلك لينحني، وكم طُرق هذا الحديد حتى صُمّت آذاننا. في الشمال قرر الملك عقد صلح مع الهمج لضمّهم فقال "أنوي السَّماح للهَمج بالمرور من (الجِدار)... لمَن يُقسِمون لي على الولاء، ويتعهَّدون بالحفاظ على سلام الملك وصيانة قوانينه وقبول إله الضِّياء إلهًا لهم، بما فيهم العمالقة إذا كانت هاماتهم الهائلة تنحني. سأوطِّنهم (الهديَّة) بمجرَّد أن أنتزعها من قائدكم الجديد. عندما تهبُّ رياح البرد سنعيش أو نموت معًا. حانَ الوقت لأن نتحالَف ضد عدوِّنا المشترَك" (عاصفة السيوف. فصل جون الحادي عشر) بغض النظر عن اشتراط الديانة الذي تكلمت عنه في موضوع صراع ستانيس الدّيني، لا زالت نظرة القائد العسكري حاضرة في اشتراطه للركوع، ولا تزال نظرة الرعايا والأعداء حاضرة، لكن الذي يختلف هنا أنه تفاوض مع أعداءه، عكس ما حصل مع روب ورنلي في البداية. عندما بدأ الملك مخططه لتوحيد الشمال، أراد من جون أن يضمهم لرايته "أراضي أبيك تنزف، ولستُ أملكُ القوَّة أو الوقت لتضميد جراحها. ما نحتاج إليه هو سيِّد ل(وينترفل)، سيِّد مخلص ل(وينترفل). قومكم الشَّماليُّون لا يعرفونني وليس لديهم سبب يدعوهم لحُبِّي، لكني سأحتاجُ إلى قوَّتهم في المعارك المقبلة، وأريدُ أن يربحهم ابن إدارد ستارك ويضمَّهم إلى رايتي" وهذه بداية جميلة بلا تدخّلات عسكرية بل سياسية، فغالبًا إن لم يكن دائمًا، إنهاء الإجراءات سياسيًا أفضل وأأمن من الاستعانة العسكرية التي تُستخدم كحل أخير. لكن بعد أن رفض جون، مباشرة رأى الملك أن القتال هو الحل "الوحيد" لكسبهم كما ادّعى "دون ابنٍ لـ(وينترفل) يقف إلى جانبي فلا أمل لي إلَّا أن أربح الشَّمال بالقتال" وكان يائس من قبول الشماليين به بعدما طلب مبايعتهم ورفضوا "حمَلة راية أبيك يبدون كارهين لقضيَّتي في جميع الأحوال. عليَّ أن أفترض أنهم يرونني… بِمَ وصفتني أيها اللورد سنو؟ مدَّعٍ آخَر محكوم عليه بالهلاك؟" لكن جون وضّح ما لم يكن في تفكير الملك، وهي الحلول الأخرى لكسب الشماليين ضد آل بولتون، فقتال آل بولتون مباشرة قرار عسكري بحت سيضعهم في موقف أفضل من ستانيس على خارطة الشمال السياسية، لذلك وجّه جون ستانيس إلى الضربة العسكرية السياسية، التي تُكسبه موقف استراتيجي رائع في ميدان الحرب، إضافةً لموقفه السياسي في نظرة الشماليين له "إن كان بولتون ينوي قتال الحديديِّين فعليك أن تفعل أيضًا" فرأى الملك ما غفل عنه، واقتنع أن هناك حلول لكسب من رفضه في البداية "لقد انتصرتُ على الهَمج وملك ما وراء الجِدار، وإذا حطَّمتُ الحديديِّين أيضًا فسيعرف الشَّمال أن له ملكًا من جديد" - الملك ستانيس (رقصة مع التنانين. فصل جون الرابع) لقد طرق جون الحديد بحذرٍ ودقّةٍ فأقامه!
عدله بالسياسة: لكل وجه سيء وجه آخر جيد، وهذا نراه كثير في عالم جورج، لذلك رغم أن مبادئ ستانيس حدّت من مصالحه السياسية ومرونته الدبلوماسية، إلا أنها في الجانب الآخر أفادته بوضع كل رجل مناسب في المكان المناسب بما أن ستانيس ليس عنده مجاملة ويعرف قيمة كل رجل في خدمته "ذلك القُرصان اللايسيني سالادور سان سيكون حاضرًا كذلك ومعه آخِر كشف حسابٍ بما أدين به له، أمَّا موروش عريس البحر فسيُحَذِّرني من حالات المَدِّ والجَزر وعواصف الخَريف، بينما سيُهَمهِم اللورد صنجلاس ببضع كلماتٍ وَرِعَة عن مشيئة «السَّبعة»، ويُبدي سلتيجار رغبته في أن يعرف مَن سينضمُّ إلينا مِن لوردات أراضي العواصف، ويُهَدِّدني ڤيلاريون بأن يأخذ جنوده ويعود إلى دياره ما لم نضرب في الحال" - الملك ستانيس (صدام الملوك. المقدمة) رأينا هذا الأثر بوضوح عندما رقّى داڤوس من مهرّب لفارس وللورد وليد، وعرف قيمته جيدًا عندما أرسله مع أبناءه لنشر الرسائل إلى كل أنحاء ويستروس "أريدك أن تُبحِر بـ«بِثا السَّوداء» شَمالًا، إلى بلدة النَّوارس و«الأصابع» و«الأخوات الثَّلاث»، وحتى الميناء الأبيض. سيذهب ابنك دايل جَنوبًا على متن «الطَّيف»، مـرورًا بــ«رأس الغضب» و «الذِّراع المكسورة»، وبطول ساحل دورن حتى «الكرمة». سيحمل كلٌّ منكما صندوقًا من الرَّسائل، وستُسَلِّمان واحدةً في كلِّ ميناء ومعقل وقرية صيد. علِّقوها على أبواب السِّپتات والخانات ليقرأها كلُّ من يستطيع. توخَّ العلانية أينما استطعت والسرِّيَّة أينما انبغى، واستخدم كلَّ حيل المهرِّبين التي تعرفها، الأشرعة السَّوداء والكهوف الخفيَّة، أيَّ شيءٍ يتطلَّبه الأمر. إذا نقصَ ما معك من رسائل، اقبض على بعض السِّپتونات واجعلهم ينسخون المزيد. سوف أستغلُّ ابنك الثَّاني كذلك، سيأخذ «الليدي ماريا» عبر البحر الضيِّق إلى براڤوس وبقيَّة المُدن الحُرَّة، لتوصيل رسائل أخرى لمن يَحكُمون هناك. سيعرف العالم كله بدعواي وعار سرسي" - الملك ستانيس (صدام الملوك. فصل داڤوس الأول) ولاحقًا استفاد من تهريبه كذلك في تهريب مليساندرا لقتل پنروز. عندما سُجن داڤوس أمر الملك بإخراجه ليسمع نصيحته عن الخطة الذي اقترحها آكسل وسالادور، وأمْر ستانيس بحد ذاته يبيّن لك أنه يعرف احتياجه لداڤوس بالمشورة، وعندما اتفق داڤوس معه رفعه للورد ويد للملك وأدميرال البحر وقال "ستكون يدي، فأنت من أريدُ إلى جواري في المعركة" (عاصفة السيوف. فصل داڤوس الرابع) ولاحقًا أرسله مبعوث لوايمان ماندرلي كما بعثه للوردات العاصفة، لأنه يعرف مزايا داڤوس، ولا يجامل بالمناصب والتشريف، يضع كل رجل في المكان المناسب - على الأقل من وجهة نظره- وهذا مستمد من عدله، يعامل الشخص لأعماله لا لنسبه. ما حصل مع جون في الجدار ليس ببعيد عما حصل مع داڤوس، فكل خطوة يخطوها الملك تقريبًا يستشير بها جون، استشاره بخطة معقل الخوف، وعندما رفض جون الخطة جميع لوردات وفرسان ستانيس ضحكوا إلا الملك الذي قال له أن يوضّح وجهة نظره ولاحقًا اقتنع بكلامه وزحف على ربوة الغابة، وكان فيه تواصل بينه وبين جون وتناغم رائع، جون ينهي إجراءات الصيرفي ويرسله لستانيس مع معلومات عن خيانة آل كارستارك، آل كارستارك الذين كسبهم جون وقرّب علاقة الشمال مع الهمج بتزويج آليس كارستارك مع سيجورن ثن، التحالف الذي أراده ستانيس بتزويج جون وڤال. من جهة أخرى، ستانيس يستشير جون بخططه، ويخبره بتجهزياته للزحف على وينترفيل "بلغَنا خبر بأن رووس بولتون يتحرَّك نحو (وينترفل) بقوَّاته كلِّها، ليُزوِّج نغله بأختك غير الشَّقيقة هناك. يجب ألَّا نسمح له بإعادة القلعة إلى قوَّتها السَّابقة. إننا نزحف عليه. آرنولف كارستارك ومورس أومبر سينضمَّان إلينا. سأنقذُ أختك إن استطعتُ، وأجدُ لها زوجًا أفضل من رامزي سنو. عليك وإخوتك أن تُحافِظوا على (الجِدار) حتى عودتي" - رسالة الملك ستانيس (رقصة مع التنانين. فصل جون السابع) وعندما هربت "آريا" أرسلها ستانيس مباشرة لجون وقال "الملك الحقيقي يسدد ديونه" (رياح الشتاء. فصل ثيون) التناغم بين الملك وجون ليس فقط لفوائد عسكرية ومعلومات ميدانية، بل سياسية كذلك، دائمًا ستانيس كان يستشيره بأمور سياسية مثل التحالف مع مورس أومبر أو التحالف مع الهمج، وفي خضم النقاشات كان فكر ستانيس منصب أنه سيربح الشمال بالقتال، وسيبدأ بقتال آل بولتون، وهذه من تأثيرات روبرت عندما قال "دون ابنٍ لـ(وينترفل) يقف إلى جانبي فلا أمل لي إلَّا أن أربح الشَّمال بالقتال، وهو ما يتطلَّب أن أستعير صفحةً من كتاب أخي، ولو أن روبرت لم يقرأ كتابًا في حياته" لكن أقنعه جون كما ذكرت في نقطة (نظرته العسكرية). هذا الترابط بينه وبين جون، كان يريد أن يُتمّه ستانيس بضم جون لرايته لتسهيل توحيد الشمال خلف راية ابن إيدارد ستارك، لكن لأن هذا لم يحدث، لم يقطع الملك التناغم الرائع، لأن إذا لم يستطيع ضمه، فعلى الأقل يستفيد من استشارته وخبرته كشمالي، فأهل الشمال أدرى بشعابه، وهذه نقطة تحسب لستانيس، وهي امتداد لمعرفته بالرجل المناسب لكل مهمة. في الشمال كذلك أرسل الملك ريتشارد هورب وجاستن ماسي للتفاوض مع مورس أمبر، واختيارهما تحديدًا لم يكن أمر اعتباطي، بل أعتقد بسبب أنهما الأفضل عنده بالتفاوض، والتعاملات السياسية، وأقل إيمانًا من غيرهم، وبذلك لا ينفّرون مورس بالتفاوض، فيقول الملك عن ريتشارد "يعبد إله الضياء فقط عندما يناسب أهدافه" (رياح الشتاء. فصل ثيون) وجاستن كان يقول "الآلهة" بدلًا من "الإله" لضعف إيمانه، وتقول عنه آشا "چاستن ماسي الذي لا يتَّسم بتديُّن أكثر الرِّجال" (رقصة مع التنانين. فصل غنيمة الملك) بالإضافة لما سبق من الأمثلة جاستن ماسي كان من الرجال الذين وضعهم ستانيس بالمكان المناسب عندما أرسله للتفاوض مع البنك الحديدي، عندها اعترض جاستن على الذهاب وقال أنه يريد القتال بجانب الملك، قال ستانيس "مكانك أنا من يقرره، لدي خمسمئة سيف ببراعتك، وأفضل، لكنك تملك أسلوبًا مرضيًا ولسانًا سلسًا، وهذان سينفعاني أكثر في (براڤوس) من هنا" (رياح الشتاء. فصل ثيون) مفهوم الرجل المناسب بالمكان المناسب ناقص ولم يكتمل ١٠٠% وقُيّد عدله بمناصب أخرى، مثل تقريب عائلة آل فلورنت له في التشريف العسكري والسياسي، فهي تناقض عدله المبني على أفعال الأشخاص وليس نسبهم، ابتداءً بتولّي آكسل فلورنت لحامية دراجونستون مرورًا بقيادة إمري فلورنت للأسطول وانتهاءً بيدوية آلستر فلورنت وتسليم الحكم له ولسيليس وقت انعزال الملك في دراجونستون. أو تقريب مليساندرا ورفع شأنها أكثر مما تستحق لدرجة حرق سجناء دراجونستون أثناء معركة النهر الأسود تحت حكم سيليس وآكسل "بينما كنا نحترق في النَّهر، كانت الملكة تُحرِق الخونة هنا. قالت إنهم خدم الظَّلام، هؤلاء المساكين، والمرأة الحمراء غنَّت والنَّار تشتعل" - سالادور سان (عاصفة السيوف. فصل داڤوس الثاني) ومرت التضحية مرور الكرام، بل إن الملك نسب التضحية لنفسه "صنجلاس الجديد أبحرَ إلى (ڤولانتيس) بَعد أن أحرقتُ أخاه" (عاصفة السيوف. فصل داڤوس الرابع) والتضحية بذاتها لا يُلام عليها الملك، لكن يُلام على إعطاء مليساندرا وسيليس الصلاحيات الكبيرة وعدم معاقبتها على حرق السجناء (الذين تخلوا عن مبايعة ستانيس) وبلغت الصلاحيات إلى ألا يرى الملك أحدًا غيرها (وقت انعزاله) "أمّا ملكك فأخشى أنك ستجده مختلفًا عمَّا عرفته. منذ المعركة وهو لا يرى أحدًا، لا أحد غيرها. الحَرس يمنعون أيَّ أحدٍ آخَر من الدُّخول عليه، حتى ملكته وابنته الصَّغيرة، والخدم يجلبون إليه وجباتٍ لا يأكلها" لكن حتى نقص الكمال لم يكتمل، آكسل لم يستمر كأمين دراجونستون، وإمري قُتل بالمعركة وأصبح داڤوس الأدميرال الجديد، وآلستر أُعدم للخيانة، ومليساندرا وسيليس مكثن بالجدار ولم تذهب مليساندرا مع الملك لوينترفيل فبلغ الملك أضعف حالاته الإيمانية لبعده عنها وقلة تأثيرها عليه، وهذا التذبذب، نراه في كل مجالات الملك، وما أجمله من تذبذب!
بعيدًا عن معرفة مزايا كل رجل، والاستفادة منها قدر الإمكان، الملك من الشخصيات القليلة التي تعرف بواطن المشهد السياسي، والألعاب التي تُحاك خلف الستار، فكان يعرف الخبائث الحقيقية في العاصمة، ومن خططه بعد أن يملك العاصمة تنظيفها من هذه الشوائب "لا بُدَّ من الرَّدِّ على هذه الجرائم بالعدالة، بدايةً بسرسي ومسوخها، لكنها مجرَّد بداية، لأني أنوي تطهير البلاط تمامًا كما كان على روبرت أن يفعل بَعد (الثَّالوث). ذات مرَّةٍ قال لي السير باريستان إن العفن في حُكم الملك إيرس بدأ بڤارس. ما كان يجب أن يُعفى عن الخصيِّ قَطُّ، لا هو ولا قاتِل الملك. كان حريًّا بروبرت على الأقل أن ينزع عن چايمي معطفه الأبيض ويُرسِله إلى (الجِدار) كما ألحَّ اللورد ستارك، لكنه أصغى لچون آرن بدلًا من هذا. وقتها كنتُ لا أزالُ في (ستورمز إند) تحت الحصار ولا أستطيعُ إسداء المشورة" - الملك ستانيس (عاصفة السيوف. فصل داڤوس الرابع) وهذا شيء يؤكدانه ڤاريس والإصبع الصغير، أخطر لاعبين في لعبة العروش، قال پيتر بيلش "ستانيس ليس صديقًا لك أو لي. إنه مخلوقٌ من حديد، شديد الصَّلابة وغير قابل للطَّرق، وسوف يُعَيِّن يَدًا ومجلسًا جديدين بلا أدنى شك" (لعبة العروش. فصل نيد الثالث عشر) لذلك كانت خشيتهم كبيرة من الملك، لأنهما يعلمان ألا وجود لألاعيبهما بحضرته، بعد أن يجدد البلاط بالكامل. أثَر عدله هنا يكمن بنيّته لإنهاء لعبة العروش والفساد القائم في العاصمة، وما يؤكد مخاوف بيلش، ويؤكد كلامي بأن إنهاء ستانيس للألاعيب مستمد من العدل، هو اللاعب الآخر ڤاريس عندما قال "ليس هناك مخلوق مخيف في العالم كرجلٍ يُطَبِّق العدل بحذافيره" (لعبة العروش. فصل نيد الخامس عشر) لهذا نصح ڤاريس نيد بالتراجع عن دعواه لستانيس، كما نصحه الإصبع الصغير. قد يتساءل البعض، هل من الممكن أن تعلم عن الفساد وتصمت عنه؟ أللعدل علاقة بإنهائه؟ نعم! ممكن تصمت إذا كان يفيدك، كان بيلش من أكثر الأشخاص الذين استفاد منهم روبرت كما قال جورج "ساعد روبرت في تمويل ولائمه ومسابقاته وبقية أعماله الباهظة" وروبرت كان يعلم عن فساد جانوس سلينت، وقال عنه بلسان ستانيس " كلُّهم يسرقون. اللِّصُّ الذي نعرفه خيرٌ من الذي نجهله. ربما يكون الرَّجل التَّالي أسوأ" (عاصفة السيوف. فصل سامويل الخامس) سكت روبرت عنه وسمع كلام بيلش، فقال ستانيس لجانوس لاحقًا عن كلام روبرت "أراهنُ أنها كانت كلمات اللورد پيتر في فم أخي. الإصبع الصَّغير محترف في جني الذَّهب، وإنني متأكِّد من أنه رتَّب الأمور بحيث يستفيد التَّاج من فسادك كما استفدت منه" لذا من الممكن السكوت عن الفساد إذا كان يفيدك، وهو ما استغله الإصبع ووافق عليه روبرت. بينما ستانيس يعرف كل خفايا المجلس الصغير والفساد الذي في العاصمة، فيقول "ربما لم يكن چانوس أول مرتشٍ بمعطفٍ ذهبي، لن أنكر هذا، ولكنه غالبًا كان أول قائدٍ يُكَدِّس المال عن طريق بيع المناصب والتَّرقيات. عند نهاية خدمته مؤكَّد أن نِصف ضُبَّاط حَرس المدينة كانوا يدفعون له جزءًا من أجورهم، أليس كذلك يا چانوس؟ رجلان مستعدَّان للشَّهادة ماتا فجأةً في أثناء مناوَبتيهما. لا تستخفنَّ بي يا سيِّدي. لقد رأيتُ الدَّليل الذي قدَّمه چون آرن للمجلس الصَّغير، ولو كنتُ الملك لفقدت أكثر من منصبك، ثِق بهذا، لكن روبرت استهانَ بزلَّاتك الصَّغيرة" معرفة الملك ليست كمعرفة پيتر وروبرت، فهي مرتبطة بردة فعله العادلة تجاههم ونيته لتنظيف البلاط منهم، وهذا بحد ذاته سيقوي موقفه السياسي في العاصمة، فبعيدًا عن الوجه الآخر للمبادئ الذي يبيّن كره الناس، الوجه الحسن للمبادئ والمغفول عنه كثيرًا يجعله في مجلس قوي ومُحاط بأشخاص يثق بهم، وهذا يثبّت حكمه. نلاحظ الملوك الذين عاصرهم ستانيس أحد أسباب سقوطهم كانت بسبب الفساد بالمجلس والغدر، المايستر الأكبر پايسل نصح إيرس بفتح البوابات لتايون ونتج عن هذا نهب ومجزرة بالعاصمة، روبرت غُدر من بيلش عندما تسبب بتسميم يده السابق، وغُدر نيد (يده الآخر) أيضًا بسبب بيلش وجانوس، جانوس نفسه الذي لم يبالي روبرت بمقاضاته، وما بين هذه وتلك، لعب الإصبع لعبته وخلق العداوة بين آل ستارك وآل لانستر، لعب اللعبة لأن لم يكن هناك مانع من لعبها، لذلك حكم ستانيس المختلف لن يسمح بوجود أمثال هؤلاء، لأن ستانيس لا يلعب اللعبة، بل يقصم طاولة اللعبة بجالب الضياء، قصمة الملك العادل!
من الجدير بالذكر أن من فوائد عدله امتناعه عن المجازر وقتل الأبرياء، وهذا لو لم يُستفاد منه، إلا عدم التنفير لكفى -بغض النظر عن الأمور الأخرى المنفّرة كقسوته وديانته- المجازر والنهب والقتل والاغتصاب تولّد الكراهية، وستانيس من الملوك العادلين الذين يمنعونها، كما قال جون "واضح أن الملك ستانيس يُسَيطِر على رجاله بيدٍ من حديد. صحيح أنه يسمح لهم بالنَّهب قليلًا، لكنني لم أسمع إلَّا باغتصاب ثلاث نساءٍ فقط، والرِّجال الذين اغتصبوهن خُصوا جميعًا" وهذا سبب رفضه لنهب جزيرة المخالب "لن تُكسِبني (جزيرة المخالب) شيئًا... وهي فكرة شرِّيرة حقًّا كما قلتَ" ولو رأينا الوجه الآخر من العملة، فالنهب والقتل والمجزرة تفيد بتثبيت اسمك وسلطتك وتخويف أعداءك، كما يفعل تايون على سبيل المثال، لكن الفائدة بثمن، والثمن لا يزول مع مرور الوقت، فلا زال شعب كينجز لاندنج يمقت الأسود لما حصل في الثورة "لا بُدَّ أن الخصيَّ قال لك إن كينجز لاندنج تُكِنُّ حبًّا قليلًا لآل لانستر، فكثيرون ما زالوا يَذكُرون كيف نهبَ السيِّد والدك المدينة حين فتحَ له إيرس البوَّابات، والنَّاس يتهامَسون أن الآلهة تُعاقِبنا على خطايا عائلتك، على قتل أخيك الملك إيرس، على مجزرة طفليِّ ريجار، على إعدام إدارد ستارك ووحشيَّة عدالة چوفري. البعض يقول علنًا إن الأوضاع كانت أفضل كثيرًا أيام روبرت، ويُلَمِّحون إلى تحسُّنها ثانيةً في وجود ستانيس على العرش" - جاسلين بايووتر (صدام الملوك. فصل تيرين التاسع).
عمومًا، عدل الملك ما بين سلبياته وإيجابياته، نابع من مبدأ ستانيس، وليس من فكره السياسي، لأنه لو كان أسلوب سياسي لاكتفى الملك بما يفيده منه، لكن وجود أثَر أضراره وفوائده يثبت أن عدله فكرة أشمل من أن يكون أسلوب سياسي "عادلٌ أكثر مما تقتضي الحكمة" - كرسن (صدام الملوك. المقدّمة)
تأثير الواجب: "مخلص جدًا في أداء واجبه" - نيد ستارك (لعبة العروش. فصل نيد السادس). على عكس باقي الملوك، ستانيس يحكم أفعاله الواجب وليس الرغبة، ستانيس مختلف عن البقية من ناحية الدوافع، إذن كيف أثرت نظرته تجاه الواجب ودوافعه على سياسته؟ يمكن حصر التأثيرات بثلاث مواقف:
أولًا: بداية دعواه وسبب حربه. عكس بقية الملوك، ستانيس سبب دعواه نابعة من الواجب، فمن ذا الذي يُعلن نفسه ملك وجيشه لا يتجاوز ٥ آلاف؟ إنها المبادئ الثابتة. روب دفعه الانتقام، ورنلي الطمع، وبالون الكبرياء، لكن لماذا الواجب مميز بين هذه الدوافع؟ لأن الواجب جعل الملك يخدم، وظل كأنه تابع، وكأنه لم يُتوّج، وكأنه بقي ستانيس الشاب الذي يتبع أخيه، فحتى لو مات روبرت، لا يزال ستانيس يخدم ظل أخيه "إن عليَّ واجبًا نحو ابنتي ونحو البلاد، بل ونحو روبرت أيضًا. أعرفُ إنه لم يُحِبَّني إلَّا قليلًا، لكنه كان أخي" - الملك ستانيس (عاصفة السيوف. فصل داڤوس الرابع). لاحقًا عندما بدت تأثيرات نبوءات مليساندرا، أُضيف هدف أسمى لهدفه السامي، فليس العرش لوحده هدف، وإنما إنقاذ المملكة بعد توحيدها أصبح جزء لا يتجزأ من خطته "لا بُدَّ أن تتَّحد (وستروس) وراء ملكها الشَّرعي الأوحد، الأمير الموعود، سيِّد (دراجونستون) ومختار راهلور" - مليساندرا (عاصفة السيوف. فصل داڤوس الرابع)
ثانيًا: تغيّر الأهداف السياسية عند ستانيس. صحيح أن واجبه هو السبب الرئيسي بهدف دعواه، دعوى الملك المرتبطة بإنقاذه للمملكة، لكن الواجب نفسه غيّر طريقة رؤية ستانيس لأولوياته وأهدافه كملك. هدفه بحد ذاته (أخذ العرش وإنقاذ المملكة) لم يتغير، لكن تغير الترتيب الذي كان يقصده الملك، فكانت مليساندرا تقنعه أن السبيل الأمثل لتحقيق واجبك (إنقاذ المملكة) هو أخذ حقك (العرش) لكن داڤوس وبدافع الواجب غيّر نظرة ستانيس "أعرفُ أن الملك يحمي رعاياه وإلَّا فهو ليس بملكٍ على الإطلاق" "أوليس إدريك ستورم فردًا من شعبك؟ فردًا ممن أقسمتُ على أن أحميهم؟" - داڤوس (عاصفة السيوف. فصل داڤوس السادس) فقرأ رسالة الحرس وبدّل المعادلة وجعل السبيل الأمثل لأخذ حقه (العرش) هو فعل واجبه (إنقاذ المملكة) وقال الملك عنه "اللورد سيوورث متواضع الميلاد، لكنه ذكَّرني بواجبي بينما لم أكن أفكِّرُ إلَّا في حقوقي. قال داڤوس إنني أضعُ العربة أمام الحصان، إنني أحاولُ الفوز بالعرش لأنقذ المملكة، على حين أن واجبي أن أنقذ المملكة لأفوز بالعرش" صحيح أن ذهاب ستانيس للجدار يعتبر تحرّك استراتيجي عسكري، فقد حوّل نظرته من العاصمة والجنوب إلى الشمال والهمج والآخرون، لكن المغزى هنا بالصورة الشاملة، وأن مفاهيم وأهداف ستانيس السياسية تغيرت بفعل الواجب، وليس فقط تحركاته الاستراتيجية
ثالثًا: المحاربة بعد الموت. ستانيس أوصى جاستن بالمحاربة باسم شيرين بعد موته فقال "ستنتقم لموتي وتُجلس ابنتي على العرش الحديدي، أو تموت وأنت تحاول" وهذا -إن حدث- يخلق جهة سياسية جديدة على خارطة الحرب، مقاومة تقاتل باسم ستانيس وابنته. إخلاص ستانيس لواجبه جعله يؤديه لرجل ميت (روبرت) ويؤديه بعد ما يموت (لشيرين). كل هذه النقاط تجعل ستانيس الملك الوحيد الذي يُعتبر خادم، أي خدمة؟ خدمته للمملكة ولروبرت ولشيرين. ثمنها؟ حياته. المقابل؟ لا يوجد.
الاستشارة: دائمًا ما يوصف الملك بالعناد، والصلابة، وعدم الاقتناع، قد يكون هذا الكلام صحيح جزئيًا من مفهوم معين، لكن ليس تمامًا. ستانيس من أكثر الملوك الذين يستمعون لأتباعهم ويستشيرونهم، بغض النظر عن الاتفاق مع المشورة أم لا. أرى الاستشارة قسمين:
أولًا: الاستشارة المرتبطة بمفهوم الرجل المناسب بالمكان المناسب، وهي استشارات معنيّة. كاستشارته للمايستر كرسن، مربيه، ورجل حكيم ذو خبرة، ودائمًا ما كانوا المايسترات محط استشارة للوردات. يقول الملك "اللَّيلة سأتناولُ العَشاء مع اللوردات حمَلة رايتي، إن جازَ أن أعتبرهم هكذا. سلتيجار، ڤيلاريون، بار إمون، كلُّ هؤلاء التَّافهين. ذلك القُرصان اللايسيني سالادور سان سيكون حاضرًا كذلك ومعه آخِر كشف حسابٍ بما أدين به له، أمَّا موروش عريس البحر فسيُحَذِّرني من حالات المَدِّ والجَزر وعواصف الخَريف، بينما سيُهَمهِم اللورد صنجلاس ببضع كلماتٍ وَرِعَة عن مشيئة «السَّبعة»، ويُبدي سلتيجار رغبته في أن يعرف مَن سينضمُّ إلينا مِن لوردات أراضي العواصف، ويُهَدِّدني ڤيلاريون بأن يأخذ جنوده ويعود إلى دياره ما لم نضرب في الحال. ماذا أقولُ لهم؟ ماذا أفعلُ الآن؟" ويستذكر كرسن استشاراته السابقة فيقول "في زمنٍ سابق كان اللورد ستانيس ليُوقِظه من نومه مهما تأخَّرت السَّاعة، كي يكون حاضرًا معه ويُعطيه المشورة" (صدام الملوك. المقدّمة) أو استشارته لداڤوس في خطة جزيرة المخالب، وداڤوس تحديدًا دائمًا ما كان يستمع له ويستشيره، في بداية حربه وبعدما كتب رسالة دعواه التي ينوي إرسالها لكل ويستروس، أحضر داڤوس خصيصًا ليستمع لرأيه، وأمر المايستر أن يتركهما لوحدهما ليفصح داڤوس عما في باله دون وجود من يضايقه، فقال "سلتيجار أعلنَ أنها مثيرة للإعجاب. لو أرَيته محتويات مرحاضي لأعلنَ أنها مثيرة للإعجاب أيضًا. الآخَرون هزُّوا رؤوسهم إلى أعلى وأسفل كسربٍ من الإوز، باستثناء ڤيلاريون الذي قال إن الفولاذ هو ما سيحسم الأمر وليس كلمات على رَق، كأني لم أكن أعي هذا. فليأخذ «الآخَرون» لورداتي. أريدُ أن أسمع وجهة نظرك أنت" وقال " لديك المزيد لتقوله عن الرِّسالة. تكلَّم إذن، فلم أجعلك فارسًا كي تتعلَّم إلقاء المجامَلات الفارغة، يكفيني لورداتي. قُل ما لديك يا داڤوس" (صدام الملوك. فصل داڤوس الأول) ولاحقًا عند ستورمزإند استشاره الملك وقال "لا بُدَّ أن تكون أحكام المهرِّب على النَّاس عادلةً، فما قولك في السير كورتناي پنروز هذا؟ اللورد آلستر يستحثُّني على المجيء باللورد پنروز الكبير إلى هنا، يقصد أبا السير كورتناي. أعتقدُ أنك تعرفه. فلورنت يُريد أن تخور قُواه أكثر، على مرأى من ابنه وحبل المشنقة محيط بعُنقه" وقال أيضًا "دَعني أُخبرك بما سيجري. اللورد ڤيلاريون سيستحثُّني على مهاجَمة أسوار القلعة في الصَّباح الباكر، خطاطيف وسلالم ضد السِّهام والزَّيت المغلي، وستقول البغال الصَّغيرة إنها فكرة رائعة. إسترمونت سيُحَبِّذ أن نُجَوِّعهم حتى يستسلموا، كما حاولَ تايرل وردواين معي من قبل. قد يستغرق هذا عامًا كاملًا، لكن البغل العجوز صبور. واللورد كارون وغيره من البغال التي تُحِبُّ الرَّكل سيُريد أن يقبل تحدِّي السير كورتناي ويُراهِن على كلِّ شيءٍ بنزالٍ فردي، وكلٌّ منهم يتخيَّل أنه سيكون نصيري ويربح صيتًا لا يموت. ماذا تنصحني أنت بأن أفعل أيها المهرِّب؟" وجون سنو لا يقل عن سابقيه من المستشارين، فقد كان يستشيره خصيصًا في كثير من الأمور كما ذكرت في نقطة (عدالة الملك) وتحديدًا جزئية الرجل المناسب في المكان المناسب. مليساندرا كذلك من الشخصيات التي يستشيرها الملك كثيرًا، ظله الأحمر، مرافقته الوحيدة، و"ملكته" الحقيقية كما يدّعون، يقول الملك عنها "إنها لا تزال خادمتي الوفيَّة. لقد رأت نهاية رنلي في اللَّهب، نعم، لكنها -مِثلي بالضَّبط- لم تلعب دورًا فيها. الرَّاهبة كانت معي، وسيقول لك ابنك دڤان الشَّيء نفسه. سَله إذا كنت تُشَكِّك في كلامي. كانت مليساندرا لتُحافِظ على حياة رنلي لو استطاعَت، وهي التي حثَّتني على لقائه ومنحه فُرصةً أخيرةً للتَّراجُع عن خيانته، ومليساندرا هي التي أخبرَتني أن أستدعيك حين أرادَ السير آكسل أن يُضَحِّي بك لراهلور" (عاصفة السيوف. فصل داڤوس الرابع)
ثانيًا: الاستشارة المرتبطة بخبرة الملك، وهي استشارة عامة لمجلسه الحربي، لأنه يعلم أن إظهار بعض الاهتمام لهم أمر مطلوب، وملك كخبرة ستانيس لن يفرط في الاستماع للورداته حتى لو لم يكترث لآراءهم، لأن الاستماع لهم بحد ذاته صفة سياسية مطلوبة مع أتباعك كما قال لداڤوس عن سبب عقد الاجتماعات رغم كرهه لها "لِمَ في رأيك؟ لأن البغال تُحِبُّ سماع نهيقها، كما أني أحتاجها لجَرِّ عربتي. أوه، بالتَّأكيد سيتفتَّق ذهن أحدها عن فكرةٍ صائبة كلَّ حينٍ من الدَّهر" (صدام الملوك. فصل داڤوس الثاني) لكن الاستشارات من هذا النوع - كغيرها من الأمور- يفسدها الأسلوب الجاف وعدم المجاملة "لم يتعلَّم ستانيس قَطُّ أن يُزَوِّق كلماته أو يُرائي ويتملَّق. إنه يقول ما يُفَكِّر فيه دائمًا، وليذهب إلى الجحيم من لا يروقه هذا" – كرسن (صدام الملوك. المقدّمة)
ماذا لو استلم العرش: "سأقيمُ العدل في (وستروس)، الشَّيء الذي لا يفهمه السير آكسل، تمامًا كالحرب. لن تُكسِبني (جزيرة المخالب) شيئًا... وهي فكرة شرِّيرة حقًّا كما قلتَ. على سلتيجار أن يدفع ثمن الخيانة بنفسه وشخصه، وسيفعل حين أحكمُ مملكتي. كلُّ امرئٍ سيحصد ما زرعَه، من أعلى اللوردات إلى أدنى جرذان الحواري، وأؤكِّدُ لك أن بعضهم سيفقد أكثر من أطراف أصابعه. لقد جعلوا مملكتي تنزف، ولن أنسى هذا" – الملك ستانيس (عاصفة السيوف. فصل داڤوس الرابع) كل العوامل المؤثرة بحكم وسياسة الملك قد تختلف بطبيعتها إذا استلم ستانيس الحكم، كتأثير الديانة مثلًا، فهي أداة ووسيلة مؤثرة بستانيس، لكن دائمًا سنتساءل عما سيحصل للوسيلة إذا تحققت الغاية؟ للأسف لن نرى الجواب، ومن وجهة نظري الجواب الأقرب، هو رؤية حكم ستانيس في فصل ثيون من رياح الشتاء، فقد كان مليء بالقرارات، والأوامر، والنواهي، والصرف، والوعود، وهو أقرب موقف يشابه حكم ستانيس إذا أخذ العرش، حتى أن قاعة البرج الذي فيه الملك مشابهة لقاعة العرش، كرسي وحيد فقط وكل الزائرين يمثلون أمامه، وستانيس قال عن الكرسي "إنه ليس عرش حديدي، لكنه مناسب هنا والآن" وكأن جورج يريد إظهار لمحات من حكم ستانيس الفعلي على العرش الحديدي. بعض الصفات عند ستانيس لا زالت صامدة، ومنها القرارات الحكيمة مثل إرساله لجاستن ومفهوم الرجل المناسب بالمكان المناسب، أو استمرار تأثير الواجب ووصيته لشيرين. ومنها القرارات السيئة مثل استمرار الحرق، لكن التشابه هنا مع الحكم على العرش ليس تمامًا، إذ أن ظروف ستانيس كانت صعبة، ورفض التضحية، لكن قَبِلَ الإعدام حرقًا للاستفادة كما يدّعي رجال الملكة "بأمر الملك سيدفع رجال پيزبوري الأربعة ثَمن الوليمة بحياتهم… وسيُنهي إحراقهم العاصفة حسبما يَزعُم رجال الملكة" – آشا (رقصة مع التنانين. فصل القربان) إذن ممكن يحرق ستانيس كإعدام إذا استلم العرش؟ صعب الربط هنا وصعب الجزم، لأن الظروف مختلفة، فهو لم يحرق الحديديين في ربوة الغابة بل شنقهم لأن الظروف كانت مختلفة عن مخيمه الحالي، لكن لو تشابهت الظروف ومر ستانيس بفترة صعبة؟ ممكن وممكن، أولًا لأن لا نعرف عما سيحدث للوسيلة (الديانة) إذا تحققت الغاية (العرش)، احتمال تستمر لأن ستانيس مؤمن أن للديانة تأثير على الحرب القادمة "السُّيوف وحسب لا تستطيع أن تصدَّ هذه الظُّلمة. وحده إله الضِّياء يستطيع. لكم أن تثقوا أيها الفُرسان الكرام والإخوة الشُّجعان بأن الحرب التي جئنا نخوضها، ليست صراعًا تافهًا على الأراضي والألقاب. حربنا من أجل الحياة ذاتها، وإذا هُزِمنا يموت معنا العالم" - مليساندرا (عاصفة السيوف. فصل سامويل الخامس) وإن استمرت قد يقل تأثيرها لأن ستانيس وقت الحرب كان لا يكترث لعواقب الديانة، لأن نتائج الديانة كان يحتاجها وتفيده أكثر من الثمن الذي دفعه، لذلك قد يختلف الوضع إذا تحققت الغاية لأن الفائدة تحققت والثمن الذي سيدفعه قد يكون باهظ، وهذا هو حال ستانيس في الشمال، حريص على مشاعر الشماليين الدينية ولم يحرق أيكة ربوة الغابة أو شجرة الويروود الحالية في مخيمه، لأن الفائدة لا تقارن بالثمن، الثمن قد يكلفه تخلّي الشماليين بالكامل عنه، حتى عندما أراد إحراق ثيون لإرضاء الشماليين ذكرته آشا بأن ليس كل جيشه يعبدون نفس الإله، فقال "أدرك هذا. لستُ الأحمق الذي كانه أخي" بالمختصر، أضعف الاحتمالات أن تأثير الديانة على ستانيس سيقل بعد أخذه للعرش. وعلى الجانب الآخر من الصفات الصامدة، هناك صفات جديدة ظهرت، مثل كسب الأعداء وتحويلهم لأصدقاء، وهذه ميزة عند روبرت كان يتألم ستانيس وهو يذكرها "أخي كان يجعل النَّاس يُحِبُّونه، بينما يبدو أني لا أُلهِمهم إلَّا الخيانة" بعد كشف ستانيس لخيانة آل كارستارك لم يعدم الجنود أو يسجنهم (كعقوبة) وإنما أمر باستجوابهم، وعندما قالوا أنهم لا يعرفون عن الخيانة صدقهم وقال سينالون الفرصة لإثبات ولاؤهم، هذا القرار من أهم القرارات، أهميته بالقصة موضوع آخر، لكنه مهم كذلك بإظهار فكر وحكم الملك للخونة، وتندرج تحته ثلاثة مفاهيم: أولًا: العدل: وهذا من المسلّمات في حكم الملك، يحاول العدل قدر الإمكان، لذلك لا جديد هنا. ثانيًا: تفهّم الجند الذين يتبعون اللورد. لو رجعنا لعاصفة السيوف وتحديدًا خطة سالادور سان وآكسل فلورنت، عندما طلب ستانيس من داڤوس النصيحة بهذه الخطة، ذكر آكسل أن جزيرة المخالب حاميتها ضعيفة وهي قلعة آردريان سلتيجار أحد اللوردات الذين ركعوا لجوفري، وقال أن رجال سلتيجار الذين ركعوا في العاصمة ركعوا عندما ركع آردريان، وهنا مربط الفرس، عذرهم داڤوس وقال أنهم ركعوا عندما ركع لوردهم، رد الملك " واجب كلِّ رجلٍ أن يبقى مخلصًا لملكه الشَّرعي، حتى إذا ثبتَت خيانة اللورد الذي يخدمه" فقال داڤوس " كما ظللت مخلصًا للملك إيرس حين رفعَ أخوك راياته ضده؟" هذا الرد الجريء، أغضب ستانيس وأحزنه بنفس الوقت، ذكّره بأحد أصعب الأيام التي مرت عليه، ولامس مشاعره " إيرس؟ آهٍ لو تعلم كم كان ذلك الخيار صعبًا. دمي أم مولاي، أخي أم ملكي" (عاصفة السيوف. فصل داڤوس الرابع) وبهذا جعله يلين تجاه الخونة قليلًا، ورفض خطة نهب جزيرة المخالب، وبغض النظر عن أن الدافع الحقيقي لرفضه هي عدله، إلا أن أحد النتائج من الحدث هذا أن ستانيس تغيرت نظرته تجاه اللوردات الذين يتبعون لوردهم بالخيانة، ولو قليلًا، بالإضافة لما قاله جون لستانيس في الجدار عن صعوبة اتباع اللوردات للملك الشرعي لخوفهم "حتى في الشَّمال يخشى النَّاس غضبة تايوين لانستر. ثم إن آل بولتون أعداء سيِّئون أيضًا. إنهم لم يضعوا رجلًا مسلوخًا على راياتهم مصادفةً. لقد ركبَ الشَّمال مع روب ونزفَ معه وماتَ في سبيله. هؤلاء النَّاس شربوا المُرَّ والموت، والآن تأتي عارضًا عليهم المزيد، فهل تلومهم إذا أعرَضوا؟ سامِحني يا جلالة الملك، لكن بعضهم سيَنظُر إليك ولا يرى إلَّا مدَّعيًا آخَر محكومًا عليه بالهلاك" - جون سنو (رقصة مع التنانين. فصل جون الأول) كل هذه الأمور جعلت من الملك ينظر نظرة مغايرة تجاه الخيانة، ولهذا عندما قال ريتشارد إن جنود آل كارستارك لا يعلمون عن الخيانة؛ قال الملك "أصدقهم. لم يكن كارستارك ليأمل في إبقاء خيانته سرًا إن شارك خططه مع كل فرد وضيع المولد في خدمته. في ليلةٍ ما قد يزل لسان حامل حربة ما وهو ثمل في حضن عاهرة. لم يحتاجوا لمعرفة ذلك. هم من رجال (كارهولد)، وعندما تحين اللحظة كانوا ليطيعون أسيادهم، كما فعلوا طوال حياتهم" (رياح الشتاء. فصل ثيون) ثالثًا: تأثير روبرت. من المعروف أن روبرت يلهم أتباعه الولاء، ويحوّل أعداءه لأصدقاء، فمن الممكن بعد استلام ستانيس للحكم يحاول يحاكي إلهام روبرت، كما أثر عليه روبرت في عدة أمور أخرى.
بعيدًا عن فصل ثيون وتشابهه مع حكم ستانيس على العرش، نستطيع نستنبط من بعض أقوال وأفعال ستانيس في الماضي عما سيحصل إذا أخذ العرش، ومنها: تحريم المواخير، طبعًا من أسوأ القرارات السياسية التي قد يتخذها الملك، وأراد فعلها في وقت روبرت "من حُسن الحَظِّ أن أخي ستانيس ليس معنا الآن. هل تَذكُرون المرَّة التي اقترحَ فيها تجريم المواخير؟" - رنلي (لعبة العروش. فصل نيد السادس) لكن رفضها روبرت فطبقها ستانيس على دراجونستون تحت حكمه، لذلك إذا لم يمنعه المجلس من هذا الفعل قد يسبب عواقب وخيمة. وأيضًا كما ذكرنا نية تنظيف البلاط من الفاسدين والمتلاعبين، وإقامة العدل، لكن دائم يشاع هنا، أن ستانيس لن يسامح التايريل على ما فعلوه بثورة روبرت ولن يسامح حصارهم، لكن لا أعتقد، ستانيس عفى عن لوردات العاصفة، وأراد ضم التايريل لصفه بعد قتل رنلي، وكان ينوي إرسال عفو للشماليين والحديديين بعد مقتل ملوكهم لولا إخبار مليساندرا له بأن هناك ملوك سيخلفون من سبقوهم " الذِّئب لم يَترُك وريثًا، والكراكِن تركَ ورثةً أكثر من اللَّازم، وسيلتهم الأُسود الجميع ما لم... سان، أريدُ أن تحمل أسرع سُفنك مبعوثين إلى (جُزر الحديد) و(الميناء الأبيض). سأعرضُ العفو، العفو الكامل عن كلِّ من يرجع في خيانته ويُقسِم بالولاء لملكه الشَّرعي. لا مناص من أن يروا..." قاطعَته مليساندرا بنعومة "لن يروا. آسفةٌ يا جلالة الملك، لكن هذه ليست النِّهاية، وقريبًا سيظهر المزيد من الملوك الزَّائفين ليعتمروا تيجان مَن ماتوا" (عاصفة السيوف. فصل داڤوس الخامس) إذن من الحماقة أن يحاسبهم على حرب قبل ١٥ سنة وقد خدموا تحت ملك واحد (روبرت). وهذا ينطبق على غيرهم من الخونة. قد لا ينسى، نعم، كما حصل مع لوردات العاصفة "ولقد وسَمتهم عندي بحقيقتهم. عفوتُ عنهم، نعم، لكنه غُفران لا نسيان" - الملك ستانيس (صدام الملوك. فصل داڤوس الثاني).
خاتمة: "كونك شخص جيد فهذا لا يكفي بأن تكون حاكم مؤثّر" - جورج آر آر مارتن. إضافةً لما قاله جورج، سنتساءل دائمًا على لسان رنلي "هل لا زلت تعتقد أن الجندي الجيد ملك جيد؟"(المسلسل) لكن ستانيس ليس كأي جندي، ستانيس تحكمه مبادئ وأولويات شكّلت شخصيته، وما بين فكره العسكري ومبادئه الحازمة، نجد خبرة طويلة في الحكم بمساعدة جون آرن في فترة روبرت. شخصية ستانيس المعقّدة في كل المجالات لا يُستثنى تعقيدها في جانبه السياسي، فأفكاره المتطورة تأثرت بروبرت، وديانته، والنبوءات كذلك كانت عامل أساسي، وكل هذه المؤثرات المبعثرة محفّزها مبدأ واحد لا يتغير في شخصية ستانيس، وجورج كتب الشخصية بناءً عليه، وهو العدل والواجب "لا يَعبُد من آلهةٍ حقًّا إلَّا الشَّرف والواجب" - مليساندرا (رقصة مع التنانين. فصل مليساندرا) ويقول جورج "ستانيس دائمَا مهتم بواجبه وشرفه".
إذا أردت تصنيف الملك سياسيًا -أقصد الاستفادة من التعاملات والقرارات السياسية وليس أفضلية الحكم- فلن أضعه الأفضل ولا الأقل، فأمور كديانته، وأسلوبه الجاف، وعدله القاسي، وكره الناس له تضره كثيرًا. وبالمقابل، خبرته، ومعرفته بخفايا السياسة، وذكاءه، ودوافعه، واستشاراته وفوائد عدله، تصب بمصلحته. وكل ما كتبته قد يكون صحيح، وقد يكون خاطئ، كما قال المايستر إيمون "إن رجالًا صالحين كُثرًا كانوا ملوكًا طالحين، وإن بعض الرِّجال الطَّالحين كانوا ملوكًا صالحين" (رقصة مع التنانين. فصل جون الثالث)
Kommentare